المجذوب
سيدي عبد الرحمن المجذوب ابن عياد بن يعقوب بن سلامة الصنهاجي الدكالي، أصله من تيط، وهي قرية توجد بقرب أزمور شمال مرسى الجديدة على ساحل المحيط الأطلسي، ثم انتقل إلى مكناس إحدى كبريات مدن المغرب الأقصى، وهي واقعة على مسافة 60 كيلومترا من مدينة فاس، عاش المجذوب مدة في غرب المغرب، ولما أحس بقرب أجله طلب أن يُذهب به إلى مكناس حيث توفي هناك ودُفن بجوار ضريح السلطان مولاي إسماعيل.
ولَقَب المجذوب أطلقه عليه أهل زمانه، وبقي معروفا به إلى الآن، نظرا لسيرته في حياته، إذ كان صوفيا زاهدا في الدنيا، ساح في البلاد للوعظ والإرشاد، وعاش غير مبال بالمال ولا الجاه، متنقلا من مكان إلى آخر، ليس له مأوى أو بيت يستقر به على الدوام، وهو بلباس بسيط ، مداوما على إقامة الشعائر الدينية والفروض الشرعية ومأديا الحقوق وعدم الإخلال بشيء منها.
وهذه مجموعة من أشهر الأقوال المأثورة للشيخ سيدي عبدالرحمان المجذوب ناتجة عن تجارب دنيوية كثيرة ومعاملات مع خلق الله، صرح بها الشيخ لقصد العبرة والنصيحة:
شَافُونِي كِْحَلْ مْغَلَّفْ*** يَحَسْبُوا مَا فِيَّ ذْخِيرَة
وَأَنَا كَالَكْتَابْ المْؤَلَّفْ***فِيهْ مَنَـــافِعْ كْثِيــــرَة
يريد بذلك أنه كالكتاب الذي جمعت فيه فوائد كثيرة ولو كان ظاهره لا يُخبِرُ عن قيمته الحقيقية.
نُوصِيكْ يَا حَارَثْ الدُّومْ***والدُّومْ كَثْرُوا نْفَاعُه
الدَّمْ مَا بَنْفَعْ الـــدَّمْ*** يَا ِويحْ مَنْ خَانُهْ ذُرَاعُـه
والدوم هي شجيرة صغيرة كثيرا ما يحرثون حولها ويتركونها لحالها، والمراد بالدم هم الأقارب، الذين لا ينفعون عندما يعدم الإنسان وتخونه صحته فيتبرم منه الكل ويتحاشاه، ولا يجد له أنصارا وأعوانا يدافعون عنه، يا ويح تعني الويل.
مَنْ يَامْنَكْ يَا كَحْلَ الرَّاسْ***مَاشِينَكْ بَطْبِيعَة
السَّنّْ يَضْحَكْ للَسَّنْ*** وَالْقَلْبْ فِيهْ الخْدِيعَة
كحل الرأس هو الإنسان، وأصله أكحل في العربية، وفي هذا القول إشارة إلى من يظهر البشاشة والبسمة ويبطن الغدر والخديعة.
سَافْرْ تَعْرَفْ النَّاسْ***وُكْبِيرْ الْقُومْ طِيعُه
كْبِيرْ الْكَرْشْ وُالرَّاسْ***بْنَصّْ فَلْسْ بِيعُه
للأسفار فائدة كبيرة في معرفة الناس، وإطاعة أولي الأمر تصبح واجبة، كبير الكرش والكرش هنا هي البطن يراد بذلك من به طمع وشره وعدم قناعة، أما كبير الرأس فهو المعجب بنفسه المفتخر بها الذي لا يساوي سوى نصف فلس، والفلس كما هو معلوم مصنوع من النحاس وليست له أية قيمة معتبرة.
لاَ تْسَرَّجْ حَتَّى تْلَجَّمْ***وَاعْقُدْ عُقْدَة صْحِيحَة
لاَ تَتْكَلَّمْ حَتَّى تْخَمَّمْ*** لاَ تْعُودْ لَكْ فْضِيحَــة
لا تسرج يعني لا تجعل السرج على الفرس قبل أن تجعل له اللجام، واعقد الحزام عليه بعقدة متينة ومحكمة كي لا تنحل، ولا تتكلم في أمر قبل أن تفكر فيه جيدا وإلا رجع عليك بالفضيحة.
مَا زِّينْ النْسَا بْضَحْكَاتْ***لُو كَانْ فِيهَا يْدُومُوا
الحُوتْ يِعُومْ في المَاء*** وهُمَا بْلاَ مَاء يِعُومُوا
ما زين أي ما أجمل، ومعناه أن النساء لا يدمن على حالة واحدة، وهذا دليل على ذكائهن وحذاقتهن.
يَا اللِّي تْعَيَّطْ قُدَّامْ البَابْ***عَيَّطْ وُكُنْ فَـــــــــاهَمْ
مَا يِفَسَّدْ بِينْ الاحْبَابْ*** غِيرْ النْسَاء وَالدْرَاهَمْ
يقصد الشيخ في هذا القول أن أكثر ما يفسد المودة ويوقع الخلاف والخصام بين الأحباب هم النساء والمال.
ضْرَبْتْ كَفِّي لْكَفِّي***وُخَمَّمْتْ في الأرْضْ سَاعَة
صَبْتْ قَلَّة الشِّي تْرَشِّي***وُتْنَوَّضْ مْنَ الجْمَاعَة
خممت أي تأملت، قلة الشي هي الفقر والحاجة، ترشي ترد الشيء باليا ومتداعيا، لأن الفقير غالبا ما يهرب منه الناس ولا يجالسونه.
لاَ يِعَجْبَكْ نُوَّارْ الدَّفْلَة***في الوَادْ دَايْرْ ظْلاَيْلْ
لاَ يِعَجْبَكْ زِينْ طَفْلَة***حَتَّى تْشُوفْ الفْعَايْلْ
الدفلة شجيرة تنبت بجانب الأودية لها زهور جميلة، داير: فاعل، ظلايل هو الظل الكثير، والمعنى هو أن الجمال ليس هو جمال الصورة والمظهر بل هو جمال الأخلاق والأفعال والمعدن والجوهر.
الخُبْزْ يَا الخُبْزْ***واَلخُبْــزْ هُـوَ الإِفَــــــــادَة
لَوْ مَا كَانْ الخُبْزْ***مَايْكُونْ لاَدِينْ وَلاَعِباَدَة
المقصود بالخبز هو المأكل والمشرب اللذان يمنحان البشر القوة والطاقة ولولاهما ما استطاع أن يؤدي عبادة.
والانسان بطبعه يكفر عادة عندما تنقطع عنه النعمة، فالفقر يكاد يكون رديفا للكفر.
ْحدِيثُ النّْسَـــــــــا يِوَنَّسْ***ويعَلَّـــــمْ الفْهَــــامَة
يِدِيرُوا شَرْكَة مْنَ الرِّيحْ***ويحَسّْنُوا لِكْ بْلاَمَاء
أن النساء يغلبن الرجال على رأيهم فينقادون إلى ما يبغين ويردن.
تْخَلْطَتْ وَلاَ بْغَاتْ تَصْفَى***وَلْعَبْ خَزّْهَا فُوقْ مَاهَا
رُيَّاسْ عْلىَ غِيرْ مَرْتَبَـة***هُمَا سْبَاــــبْ خْلـــــاَهَا
الخز هو الخضرة التي تعلو الماء الراكد لمدة طويلة، سبب خلاها أي سبب خرابها، والمقصود أن تولي الحكم والمناصب والمسؤوليات من طرف من ليست لهم أهلية ولا صلاحية ولا أخلاق ولا قيم للقيام بذلك يؤدي إلى اختلال واضطراب النظام بأكمله.
خْفِبفْ الاَقْدَامْ يَنْمَلّْ***لُو كَانْ وَجْهُه مْرَايَة
قْلِيلْ الاَكْتَافْ يَنْذَلّْ***لُو كَانْ جَهْدُه عْتَايَة
خفيف الاقدام هو من يكثر من التردد على الناس حتى يقلقهم ويملون منه ولو كان وجهه صافيا وجميلا كالمرآة، قليل الاكتاف ينذل تعني أن من لا أنصار ولا سند ولا معين ولا حاميَ له يُذل حتى ولو كان طاهرا صادقا حسن الطوية والسيرة، وكلمة عتاية هنا معناها مجهود وعمل عظيم.
يَا قََلْبْ نَكْوِيكْ بَالنَّـــارْ***وإِذَا بْرِيتْ نْـــزِيدَكْ
يَا قَلْبْ خَلَّفْتْ لِي العَارْ***وَتْرِيدْ مَنْ لاَ يْرِدَكْ
بريت تعني شُفِيت، ومعنى الكلام أنه لم يكافأ إلا بالغلظة والجفاء ممن عاملهم بالحسنى.
الرِّيحْ والسْحَابْ رَشّاتْ***وَالغَيْـــمْ اظْـــــلاَمْ عْلِيَّ
الحْباَبْ كَاعْ كَاعْ قُفَّاتْ*** بْقِيتْ فْرِيدْ وَالعَمْدَ عْلِيَّ
كاع كاع أي كلهم، ومعنى الكلام أن ألأحوال تغيرت وتفرق الأصحاب و صاروا لا فائدة فيهم ولا منفعة تُجنى منهم، وبقيت وحدي ليس لي على من أعتمد وأتكل، وقد غنت مجموعة ناس الغيوان المغربية هذا المقطع في إحدى أغانيها بطريقة مبدعة وجميلة.
لاَ فِي الجْبَلْ وَادْ مَعْلـُـــومْ***وَلاَ فِي الشْتَا رِيحْ دَافِي
لاَ فِي العْدُو قَلْبْ مَرْحُومْ***وَلاَ فِي النْسَا عَهْدْ وَافِي
الواد هو النهر أو الوادي، مع العلم أن الخصائل الحسنة والغير الحسنة موجودة في الجنسين من نساء ورجال.
رَاحْ ذَاكْ الزّْمَانْ وُنَاسُه***وُجَاء ذَا الزّْمَانْ بْفَاسُه
وكُلّْ مَنْ يَتْكَلَّمْ بَالْحَـــقّْ*** كَسـّْـــرُوا لُه رَاسُـــــوا
أي تغير الزمان وانقلبت الأحوال، وجاء زمان آخر أصبح فيه كل من ينطق بكلمة حق متهما.
الـــــــُّدنْيَا يـــكَنـُّوهَا نَـــــاقَة***إِذَا عَطْفَتْ بَحْليِبْهَا تَرْوِيكْ
وإذاعَطْفَتْ مَا تْشَدّْ فِيهَا لْبَاقَة***تَتْكَفَّــحْ وَلُو كَانْ فِي يَدِّيكْ
الدنيا هي كمثل ناقة حلوب، يكنوها يطلقون عليها كنية، إذا عطفت عليك فإنها سترويك بحليبها، وإذا لم تعطف فلن ينفع معها لا المجاملة ولا اللطافة ولا حسن المعاملة، وسيضيع حليبها ويتبدد حتى ولو كان بين يديك، تتكفح تعني تتبدد وتضيع، كلمة عَطْفَتْ في عجز البيت الشعري الأول تعني حَنت كما تَحِن الناقة على ولدها، أما كلمة عَطْفَتْ في صدر البيت الشعري الثاني فتعني انصرفت وتوارت.
ادْهَنْ السِّيرْ يِسِيرْ***وُبِهْ تَرْطَابْ الخْــرَازَة
النَّقْبَة تْجِيبْ الطِّيرْ***مَنْ بَابْ سُوسْ لْتَازَة
السير هو حبل من الجلد المصقول، ترطاب أي تصير رطبة وهي ضد يابسة، الخرازة هي حرفة الخراز، النقبة هي اسم المرة من نقب الطير الحب أي التقطه بمنقاره، يُقال ذلك لم يريد أن يقضي مصالحه عليه أن يكون سخيا كريما ويدفع البقشيش أينما حل وارتحل. سوس هي منطقة تقع بأقصى جنوب المغرب وتازة هي مدينة مغربية مشهورة تقع وسط المغرب الأقصى. من باب سوس لتازة تعني أنه على الرغم من بعد المسافة بين سوس وتازة فإن النقبة تجتذب الطير إليها
الموضوع الأصلي : 
