عجائب الأثار لشيخ المؤرخين " عبد الرحمن الجبروتى"

تاريخ التسجيل : 12/01/2010

ولد عبد الحمن الجبرتي عام 1754م, وعاش في

الوقت الذي خيم فيه الركود على الوطن العربي, وسجل في كتابه "عجائب الآثار" تاريخ مصر منذ أواخر القرن السابع عشر حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر, وقدم لنا صورة الحياة في الحواضر العربية الأخرى.

ويسجل الجبرتي أنا من أسباب تدهور الكتابة التاريخية في مصر العثمانية تسرب الكتب التاريخية من البلاد.
كما يربط تلك الظاهرة بتعدد الفتن واستفحال النزاع بين الفرق العثمانية والبيوتات المملوكية وما ترتب على ذلك من تلف كثير من المكتبات.
إن ظهور مؤرخ كعبد الرحمن الجبرتي يعد ظاهرة متفردة ليس لها تفسير واضح وإن يكن هذا متصلاً بالبيئة العلمية التي نشأ فيها والظروف المادية التي أحاطت به, وهي ظروف يسر لم تتح للكتاب سواء في عصر الجبرتي أم في غير عصره.
هذا إلى وضعه الاجتماعي الذي سهل عليه الإحاطة بأحداث عصره, وحبه للاستطلاع الذي انتقل به إلى مواطن الأحداث, وما تميز به من دقة وموضوعية.
وأخيراً فغن معاصرته لعصور ثلاثة قد أضفى على تاريخه أهمية خاصة, فقد عاصر أواخر العصر المملوكي/ العثماني, والحملة الفرنسية, وأوائل عصر محمد علي,
ولقد كان عبد الحمن الجبرتي أول مفكر في مصر الحديثة نستطيع أن نستخلص من آثاره موقفه من حضارة الغرب, لا لأنه قد لمس الحضارة الأوربية في منابعها الأصلية, بل لأنه عاصر أول عدوان أوربي على مصر في العصر الحديث, وسجل انعكاساته على المصريين.
وقد تعجل الجبرتي الترجمة لأشهر الأعلام, وبذل جهداً كبيراً في تحري الأخبار الصادقة والتواريخ الدقيقة وتقص آثار المترجم لهم لدى أهلهم وأصدقائهم.
وجمع هذه التراجم في كراريس كثيرة كما جمع إلى جانبها كثيراً من الحوادث والوقائع في أوراق متناثرة يسميها طيارات, تستقل كل منها بحادث معين ينوي تحقيق صحته فيما بعد.
وحين أدت الحملة الفرنسية إلى مصر دون في كراريسه أعمالها, ومنشورات القادة ومراسلاتهم كما وصلت إليه, خاصة وأنه تردد على بعض منشئاتهم وأقام بعض الصلات مع رجال الحملة وأصبح عضواً في الديوان الوطني في عهد الجنرال منو, وحين خرجت الحملة من مصر في عام 1801م رأى أن يشارك المصريين أفراحهم وأن يحتفي بالعثمانيين الذين عادوا إلى حكم مصر, فوضع كتاباً سماه"مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس" وأهداه إلى الوزير العثماني يوسف باشا.
إن تفسير ذلك أن الجبرتي الذي كان قد تعاون مع الفرنسيين قد خشي على نفسه بعد ذهابهم, خاصة وقد انقلب المصريين على من تعاونوا مع الفرنسيين, فألف كتابه ليبرأ نفسه, ويعلن ولائه إلى الدولة العثمانية.
وقد أفاض في هذا الكتاب في سرد أحداث الحملة دون ذكر شيء عن اتصاله بها, وحضور حفلات الفرنسيين, وأغفل وثائق محاكمة سليمان الحلبي, وآثر الجبرتي في كتابه أن يكون أسلوبه مرسلاً حينما يسرد الأحداث اليومية, ومسجوعاً عند وصف المعارك الحربية والفتن, وهو نفس الأسلوب الذي اتبعه فيما بعد حين وضع كتابه "عجائب الآثار".
أغلب الظن أن الجبرتي لم يعتزل الحياة العامة بعد خروج الفرنسيين من مصر, ولم يقتصر نشاطه على العلم والتأليف, بل خاض مع المشايخ فيما خاضوا فيه من الاهتمام بشؤون الرعية بقدر ما يسمح له بالالتفاف إلى مشاغله الخاصة, لاسيما وأن الثناء على كتابه "مظهر التقديس" قد قوى عزمه على متابعة مشروعه التاريخي, وفي عام 1220 هـ (1805م) الذي شهد تولية محمد علي, رأى أن يجمع تاريخه الذي انشغل به خمس عشرة سنة, فأخذ يستعين بأوراقه وكراريسه, وقد قسم تاريخه إلى:
- تمهيد عن التاريخ وفائدته.
- مقدمة تفلسف في تقسيم طبقات الناس, وبسط النصيحة للحكام بمراعاة العدل, وحسن السياسة.
- إلمامة سريعة بتاريخ مصر حتى الفتح العثماني
- متابعة للسنيين حولياً بذكر الحوادث وتراجم المتوفيين.
- إثبات كتاب مظهر التقديس برمته بعد أن حذف مقدمته وبعض فصوله, مع العودة إلى أمانته التاريخية في تقويم الحوادث التاريخية وتصحيحها.
- تنسيق الأحداث على النمط الذي اختطه لنفسه.

وقد قسم كتابه إلى عدة أجزاء على النحو التالي:::

سار بالجزء الأول حتى آخر سنة 1189هجري.
وسار بالثاني حتى آخر سنة 1212 هجري.
وبالثالث حتى آخر سنة 1220 هجري.
وأسماه " عجائب الآثار في التراجم والأخبار"
وقد انتهى الجبرتي من تدوين هذه الأجزاء الثلاثة في عام 1221 هجري (1806م) وقد أدى انتشار هذه الأجزاء الثلاثة في حياته إلى عداء بعض المشايخ له لوجه خاص, وذلك لما احتواه تاريخه من نقد مرير لبعض الناس.
ولقد كان يتوجه بنفسه لمعاينة الأحداث ويتصل بمن يرى فيهم الاتصال بالأحداث, ولهذا فإن الجزء الرابع أقرب إلى مذكرات كان يمني النفس بتهذيبها وتنسيقها وفصوله مسهبة وسياقه منتظم, وإن بدت بعض فصوله ممعنة في القصر.
وفي عام 1237 هجري (1822م) قتل ابنه خليلي وقيل أن الحادثة متصلة بنقده لحكم محمد علي وتأثر الجبرتي بهذه الفاجعة فلم يقوى على استكمال تاريخه, وكان قد وصل فيه إلى أحداث الثورة اليونانية.
وظل يندب ابنه حتى ذهب بصره, وقبع في داره أعمى لا يقرأ ولا يكتب إلى أن أدركته الوفاة, وهذا مما يفسر نهاية الجزء الرابع من تاريخه المبتورة.

تقييم علم:::

إن تاريخ الجبرتي يعتبر مصدراً من الدرجة الأولى لما تميز به مؤلفه من دقة واستقصاء للأحداث والتحفظ في ذكرها كما أنه يتميز بالموضوعية التي نستشفها من تأكيده أنه يكتب للحقيقة والتاريخ: "ولم أقصد بجمعه خدمة ذي جاه كبير, أو طاعة وزير أو أمير, ولم أداهن فيه دولة بنفاق أو مدح أو ذم مبين للأخلاق... لميل نفساني أو غرض جسماني".
وقد امتاز تاريخه بأنه غير مقصور على علية القوم ولكنه شمل كافة الفئات, فكان تاريخاً اجتماعياً, اقتصادياً وسياسياً شاملاً لكل جوانب الحياة المصرية في عصره, فمن يقرأ تاريخه كأنه يعيش عصر الجبرتي بكل تقاليده وقيمه وعاداته.
ومن المآخذ التي تؤخذ على تاريخ الجبرتي أنه يعترف فيه أن ميوله الشخصية آثرت ناس على ناس, وتأثره كثيراً بالصداقة والصحبة.
وهو ينقل عن غيره من المؤرخين, وخاصة في الجزئيين الأول والثاني من عجائب الآثار, ولذلك فقيمة هذين الجزئيين لا يعتد بهما علميا لنقله عن غيره دون تمحيص.
أما الجزء الثالث والذي يتحدث عن الحملة الفرنسية, وضح فيه الفارق الشاسع بين العقلية الغربية المتفتحة في كافة المجالات والعقلية الشرقية التي كانت غارقة حتى قبيل الحملة في ثبات العصور الوسطى, كما ارتبط أثر الحملة في تفكير الجبرتي بما أثارته في آفاق المصريين بوجه عام.
في النهاية يعتبر "الجبرتي" المؤرخ المصري الذي توخى الحقيقة التاريخية, ولم يقف من الأحداث موقفاً سلبياً بل تعمق فيها وسجلها, كما يعتبر الجبرتي آخر كاتب حولي في مصر.
هذا هو الجبرتي, وهذا هو تاريخه, ولعلني قد وفقت في عرض الموضوع بالصورة المرغوبة، والله الموفق

تاريخ التسجيل : 23/08/2010

تاريخ التسجيل : 12/01/2010

شكرا على مرورك نورتى الصفحه